مقالات سياسية
مساوئ النظام الديمقراطي
أصبح النظام الديمقراطي في وقتنا الحاضر نظاما يُجمع أغلب الناس على مثاليته و صلاحه بسبب التأثير الإعلامي الكبير الذي يدعّمه ، لكننا تجاهلنا مساوئه الكثيرة لأن الإنسان عادة يجتنب السير ضد التيار لما في ذلك من مشقة ، فيمشي معه دون التفات لحقيقته و انتهى الأمر .
أولا يجب الجزم أن النظام الديمقراطي هو نظام مخالف للسياسة الإسلامية ، فالديمقراطية بمعنى حكم الشعب لنفسه ، و السياسة الإسلامية أساسها تحكيم شرع الله في الأرض لا تحكيم هوى الشعب ، و من حاول المزج بينهما فكأنما يمزج الماء بالزيت . هذا توضيح سريع لعلاقة الديمقراطية بالإسلام و إن كان هذا ليس موضوع المقال .
أما مساوئه الظاهرة على المجتمع منها ما يلي :
النظام الانتخابي الديمقراطي يقوم على أساس تصويت الشعب على من يريد من الأشخاص و ما يريد من الأشياء ، و تكون الغلبة لمن صوت له أكثر و لما صوت له أكثر ، و معلوم أن شرائح المجتمع و أفراده مختلفون من حيث العلم و الأفكار و الصلاح و العمر و الجنس و العادات و الاعتقاد و غيرها ، و نعلم كلنا أن الأغلبية الساحقة من المجتمعات فيها أقلية عالمة ( دكاترة ، علماء ، خبراء و متخصصون بالمجال السياسي ) و أكثرية غير ذلك ، لكن العجيب في الديمقراطية هي تسوية صوت العالم بصوت غيره ، فتكون نتيجة التصويت تبنى على أساس أصوات عوام الناس لا على أساس أصوات النخبة الذين يعرفون ما يصلح المجتمع و ما يفسده ، فتكون النتيجة التصويت لما تهواه أغلبية الشعب لا لما يصلح الشعب كما يدعون ، هذا من ناحية العلم ، و مثله الصلاح ، فإن صوت الأغلبية الذي سيحكم ، فإن كان الصلاح هو الغالب صُوِّت باعتباره و إن كان الفساد هو الغالب تكون النتيجة عكسية ، و نحن نعلم حالنا ، و هذا ما يجعل التجربة الديمقراطية تختلف آثارها باختلاف الشعوب ( علمهم و صلاحهم الاجتماعي ) ، فكما تثمر الديمقراطية آثارا محمودة في المجتمع المتعلم الصالح ( المدينة الفاضلة ) ذو النسمة القليلة ، فإنها ستثمر آثارا مذمومة في المجتمع الجاهل الطالح قطعا ، بل و حتى في المجتمع العالم الطالح و الجاهل الصالح ، فهي بطبيعتها محايدة ؛ موجبة مع الموجب ( الناذر ) و سالبة مع السالب ( الغالب ) . ثم إن التصويت الإيجابي لا يخرج إلا من المتعلم الصالح في آن واحد ، و هذا هو نظام الشورى في الإسلام ( نناقشه في مقال مستقل إن شاء الله ) ، فإن صنفنا الناس على أساس العلم و الصلاح كانت النتيجة كالتالي ؛
صنف جاهل طالح = تصويتا ضالا و فاسدا
صنف جاهل صالح = تصويتا ضالا
صنف عالم طالح = تصويتا فاسدا
صنف عالم صالح = تصويتا إيجابيا ( التصويت المرجو )
و بالتالي فإن الصنف ذو التصويت المرجو لا يمثل إلا 25 % من الأصناف الكلية ، و نسبة المتصفين به في المجتمعات تختلف باختلاف المجتمع إلا أنها تبقى في الأغلبية الساحقة منها دون 25 % ، و بالتالي فإن صوت هذه الفئة ناذرا جدا ما يكون الغالب المسموع .
ثم إن النظام الديمقراطي مبني على الحزبية السياسية التي تنتج لزوما الولاء للحزب على حساب الكيان المجتمعي العام مما يجعل المتحزبين يسعون إلى مصلحة الحزب قبل مصلحة المجتمع ، و كفى بهذا تنقيصا في هذا النظام ، و قد تناولت الحزبية من الناحية الشرعية الإسلامية في مقال سابق لمن أراد شيئا من التفصيل .
ثم إن النظام الديمقراطي مبني على الترشح للفوز بالمنصب و المطالبة به و بذل الجهد و المال و الوقت للحصول عليه ، و بالتالي فإن المسؤول الديمقراطي لزوما هو ذلك الحريص على المنصب المجاهد في سبيله و ليس ذلك الورع الذي يعلم حجم المسؤولية و يخاف أثر إخفاقه على مجتمعه و الذي يُقدَّم للمنصب و إن كان كارها . و إن كان في حالات قليلة يفوز من طلب المنصب دون بذل للمال و الجهد و الوقت بشكل كبير ( قيس تونس ) إلا أنه بالتغلغل في مقتضيات النظام تظهر مستجدات متعلقة بتفاعل الديمقراطية و طبيعة المجتمع كما رأينا في بلاد عنبعل . و لهذا لا ينبغي الحكم على الديمقراطية من خلال تجربة مجتمع واحد ، و إنما يحكم عليها من خلال ماهيتها و مجموع محاولات تفعيلها في العالم و ليس من خلال محاولة ناجحة واحدة .
و أخيرا أرى أن ما حصل في المغرب خلال العشر سنين الأخيرة خير دليل على نقيصة الانتخاب الجماعي ، فالعدالة و التنمية الآن هي العدالة و التنمية سابقا ، و معظم المصوتين صوتوا لها في السابق و وصفوها بالصلاح ثم الآن يسبونها و يصفونها بالفساد ، و هذا يعبر عن جهل عموم المجتمع المغربي بحقيقة النظام الديمقراطي في مجتمعنا ، و هذا حاصل في غالب المجتمعات الأخرى ، لكن الإعلام العام يحاول أن يظهر هذه الظاهرة على أنها تداول صحي للسلطة ، و هو حسب رأيي إخفاق الأول و حزبه ثم إخفاق الثاني و حزبه ثم إخفاق الثالث و حزبه ، و لو رضي المجتمع بواحد و حزبه للزموه ، و إنما تكبر شعبية حزب بعد فشل الحزب الآخر و هكذا .
لم تنتهي مفاسد الديمقراطية هنا ، و لم أذكر إيجابيات الديمقراطية لأنه ليس موضوعنا ، و يبقى هذا رأيي فيها . لكنني أعتقد وجوب السياسة الإسلامية لأنني مسلم ، و أعتقد تفوقها القطعي على باقي الأنظمة لأنها تهدف إلى ما يصلح المجتمع لا ما يشتهيه المجتمع .
نظام الشورى الإسلامي
نظام الشورى في الإسلام هو النظام السياسي الإسلامي المثالي الذي مورس في فترة صدر الإسلام ( عهد النبي صلى الله عليه و سلم و عهد الخلفاء الراشدين ) و يسمى أيضا الخلافة ، إلا أن لفظ الشورى أشمل إذا قصد النظام السياسي بشموليته ، و بدأ التأسيس لهذا النظام من الآيات الكريمات التي تمدح مسألة الشورى بين المسلمين و تمدح المسلمين لشورتهم ، و من السيرة النبوية التي بينت كيف كان المعصوم عليه الصلاة و السلام يشاور صحابته في أمور السياسة و الحرب و غيرهما ، و يعمل بآرائهم في كثير من الأحيان ، ثم تم التأسيس لها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم و تشاور علماء الصحابة الصالحين الكرام في أمر خليفته و اختاروا أبا بكر رضي الله عنه ، ثم بالشورى اختاروا عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عن الجميع ، و كان عهد علي رضي الله عنه هو نهاية نظام الشورى بشكله الشرعي الكامل .
اِختُلف في حكم نظام الشورى فقهيا بين الوجوب و الاستحباب ، و يُرجح استحبابه لنزول آيات و ورود أحاديث تدل على جواز النظام الملكي ( ملك داود و سليمان عليهما الصلاة و السلام ، الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا ... ) و بالتالي فهو سنة مستحبة وليس فرضا على الأرجح مع أنه الأولى ( نظام الشورى مستحب و سنة ، تحكيم شرع الله واجب ) .
يعتمد نظام الشورى على الرجال المتصفين بالعلم و الصلاح ، فالعلم تمثل في الصحابة الملازمين للنبي عليه الصلاة و السلام حين حياته و ارتوائهم من علمه ، و من أسلموا من علماء و حكماء و قادة الأقوام الأخرى ( سلمان الفارسي ) . و الصلاح تمثل في تزكية الرسول صلى الله عليه و سلم للأصلح منهم بالاسم . فكان هؤلاء هم المستشارون في حياته و في زمن الخلافة ، و هم المنتخِبون للأصلح بعد وفاته عليه الصلاة و السلام إلى خلافة علي .
التصويت و الانتخاب في نظام الشورى لا يكون لعموم الشعب و إنما للعلماء ( مختلف العلوم و على رأسها الشرعية ) الصالحين ( ليسوا من أهل الكبائر و لا الفساد الاجتماعي و الاقتصادي ) ، و بالتالي نضمن أفضل أنواع التصويت في المجتمع لأن هذه الفئة هي أفضل فئاته ، بخلاف النظام الديمقراطي الذي يتيح التصويت لكل الناس و يجعل صوت الجاهل مساويا لصوت العالم ، و صوت الصالح مساويا لصوت الطالح .
العلماء الصالحين هم أهل الولاية ( نواب الأمير في الأمصار و الوزارات ) و الاستشارة السياسية ، و هم الذين يستطيعون التوجيه و التقويم و النصح و الملاحظة على الأمير مع لزومهم طاعته في المعروف ( ما وافق شرع الله و ما رأى الأمير أنه الأصلح في أمور الدنيا ) كباقي الشعب ، و لا تلزمهم طاعته في معصية الله تماما كباقي الشعب ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ليس في نظام الشورى معارضة و موافقة و لا أحزاب و تكتلات على أساس الفكر و التوجه ( إنما هو تكتل الإسلام و المسلمين فقط ) ، فإن المعارضة و إن كانت إيجابية في قليل من المجتمعات المثقفة قليلة العدد ، فإنها سلبية في أغلب المجتمعات التي يغلب عليها الجهل أو الفساد لأن دورها يتحول إلى عرقلة الإصلاح و التقدم و ليس دفع الأغلبية إلى الأصلح ، كما أن التحزب يُنتج الولاء للحزب و الانتصار له كيفما كان توجهه في جميع المسائل بدل الانتصار للحق .
أخيرا قد نتساءل كيف يمكن اختيار المستشارين في وقتنا الحاضر إذا افترضنا إرادة دولة مسلمة تفعيل هذا النظام السياسي الإسلامي مع عدم توفر تزكية النبي صلى الله عليه و سلم ؛ قد تُعتمد الدكتوراه كمرتبة علمية تسمح بمراجعة الأمير في مجال التخصص مثلا و يوضع لذلك ضوابط ، و قد يعتبر السجل العدلي المحكمي و السجل المالي معيارا للصلاح الاجتماعي مثلا . أقصد من هذه الفقرة أن تفعيل هذا النظام لا يستلزم لبس العمامة و الإزار و ركوب الجمال و الحمير كما قد يتبادر لبعض الأذهان ، فنظام الشورى هو مجموعة قوانين و ضوابط تنزّل في مجتمع فينتج تفاعلهما ثمرة ( آثارا ) طيبة ، قد تختلف ثمرة ( آثار ) تفاعل نفس النظام مع مجتمع آخر لكنهما سيشتركان في صفة الطيبة ( الصلاح ) لزوما ، لكن يلزم التنبيه على أن رغم أفضلية هذا النظام على باقي الأنظمة فإنه يبقى نظاما سياسيا لبشر يعيشون في الأرض لا الجنة ، و الخطأ منهم واقع لا محالة ، و بالتالي فإنه الأصلح لهم لكنه لا ينتج جنة ، و إنما ينتج أفضل أنواع الدولة الممكنة لذلك المجتمع x ، لأن الكمال المطلق للمجتمع لا يدرك إلا بالكمال المطلق لأفراده كلهم و هذا من المحال طبعا .