مقالات إسلامية
تعريف الإيمان شرعا
الإيمان هو تصديق بالجنان ينتج منه لزوما و مباشرة أقوال باللسان و أفعال بالقلب و الجوارح تدل على التدين بالإسلام
شرح التعريف :
الإيمان هو تصديق بالجنان : أي تصديق بأركان الإيمان موضعه القلب
ينتج منه لزوما و مباشرة : أي ينتج من هذا التصديق الذي موضعه القلب ضرورة لأن التصديق دون ما ينتج منه لا يسمى و لا يصبح إيمانا و يبقى تصديقا لا يغني صاحبه كتصديق أبو طالب لرسالة النبي صلى الله عليه و سلم فإنه لم يغنه شيئا و مات من المشركين . و بشكل مباشر أي مع التصديق تظهر تلك الأقوال و الأفعال ، و نسطر تحت منه ، أي ما سينتج هو من التصديق .
أقوال باللسان : مثل لا إله إلا الله ، الله أكبر ، سبحان الله ، محمد صلى الله عليه و سلم ...
و أفعال بالقلب : مثل الخشوع ، الحياء ، حب الله و الرسول ، بغض الكفر و الشرك ...
و أفعال بالجوارح : أي أفعال بأعضاء الجسم مثل الصلاة ، الصدقة ، إماطة الأذى عن الطريق ...
تدل على التدين بالإسلام : وهو كما سبق في الأمثلة ، أي تدل عل ممارسات شرعت في الإسلام و ليس كطرق غلاة الصوفية الذين يتعبدون بغير ما شرعه الإسلام كالذكر مع القفز و الطواف حول الأضرحة و التطبيل بالطبول ...
و الله تعالى أعلى و أعلم
مغزى الإعجاز العلمي في القرآن
-لماذا الإعجاز العلمي في القرآن الكريم !؟
-لماذا لم يفسر النبي صلى الله عليه و سلم آيات الإعجاز العلمي كما فسر آيات الاعتقاد و الفقه و غيرهما !؟
-لماذا يكتشف علماء الغرب الحقائق ثم نجدها نحن في القرآن و ليس العكس !؟
لطالما استغرب المسلم هذه الأسئلة بينه و بين نفسه ، و لعل اليوم تظهر أجوبتها إن شاء الله.
أنزل الله تعالى القرآن الكريم على خاتم الأنبياء و المرسلين صلى الله عليه و سلم في زمان كانت العرب فيه تتباها بالفصاحة و البلاغة ، فجعله الله أفصح و أبلغ من كل كلام البشر ، و جعله معجزة النبي الخاتم العظيمة و الباقية و الصالحة لكل الأزمان و الأماكن ، فآمن من آمن من العرب لما في القرآن من الفصاحة و الدعوة لمكارم الأخلاق و الدعوة للتوحيد ، ثم وجد المسلمون بعد الفتح الإسلامي و دخول الناس في دين الله أفواجا أجزاء من آيات كريمات لم تستعمل لا في أمور الفقه و لا العقيدة و لا القصص و لا الأخلاق و لا الدعوة مثل قوله سبحانه ( و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) فيقول القائل في ذاك الزمان لماذا قوله تعالى كأنما يصعد في السماء!!؟ في فهم منه أنه يكتفى بما سلف ذكره دون هذه الجملة ، حتى إن الكثير من المفسرين لم يفسروها و اكتفو بتفسير الجزء الأول منها ، وهنا في الحقيقة مظهر من أهم مظاهر المعجزة الخالدة في كتاب الله ، و ذلك لأن الله عز و جل تكلم بهذه الآية لتكون تبيانا لأناس من غير المسلمين في زمننا هذا الذي يعظم أهله العلوم التجريبية على أن القرآن هو الحق ، قال سبحانه ( سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) فهم الذين رأوا و علموا و اكتشفوا أن الصعود في السماء يؤدي إلى ضيق الصدر و التنفس لأن الضغط الخارجي يقل فيصبح الضغط الداخلي أقوى فيختل التوازن بينهما و يضيق صدر الإنسان ، و هنا خلود الإعجاز في كتاب الله ، و هنا يظهر لماذا الإعجاز العلمي في القرآن كثير، و لا يجحده إلا ذو فهم قاصر ، و قدر الله الحكيم أن يكتشف الكفار هذه الحقائق بأنفسهم ثم يجدونها مطابقة لما في القرآن فيؤمن المنصفون منهم و تقام الحجة على الجاحدين ، و لو كان المسلمون في هذه الفترة الزمنية القصيرة أصحاب العلم و الاكتشاف لما صدق جل الكفار ما اكتشفه المسلمون لتطابقه مع القرآن ، و إن كنت لااااااااا أدعو إلى التكاسل و ترك باب الاكتشاف للكفار فقط ، و الله تعالى أعلى و أعلم .
الحق و الصواب و الراجح في الشرع
* الحق هو ما ثبت بدليل أو أدلة قطعية الثبوت و الدلالة لا تعارضها أدلة أخرى قطعية أو ظنية الثبوت ، قطعية الدلالة . يوجب الاتباع و الأمر به ، و يُرمى بالضلال من نفاه ، و مقابله الباطل ، و لا يحتمل النسبية .
* الصواب هو ما ثبت بدليل أو أدلة قطعية أو ظنية الثبوت ، قطعية الدلالة تعارضها فهوم لأدلة قطعية أو ظنية الثبوت ، ظنية الدلالة ، يوجب الاتباع و الأمر به و يُرمى بالخطإ من نفاه ، و مقابله الخطأ ، و يحتمل النسبية باعتبار ما خفي من الأدلة لا باعتبار ما تحت اليد .
* الراجح هو ما رجح بدليل أو أدلة قطعية أو ظنية الثبوت ، قطعية أو ظنية الدلالة ، تعارضها فهوم لأدلة قطعية أو ظنية الثبوت ، قطعية أو ظنية الدلالة ، أضعف منها في الثبوت و الدلالة أو في واحدة منهما دون الأخرى ، يوجب الاتباع على من رجح عنده باجتهادٍ ( المجتهد ) أو بترجيحٍ بين الأقوال ( المرجح ) دون غيره ، يُنصح به و لا يؤمر ، و لا يُرمى بشيء من نفى رجحانه ، و مقابله المرجوح ، و محتمل للنسبية .
و أشير إلى أن قطعية الدلالة لا تكون دائما بدلالة اللفظ ، فقد تكون بدلالة اللزوم و يكون الدليل اللفظي ظني الدلالة .
دليل قطعي الثبوت : متواتر .
دليل ظني الثبوت : الآحاد الصحيح و الحسن .
دليل قطعي الدلالة : دلالته قطعية على ما استدل به لأجله .
دليل ظني الدلالة : دلالته غير قطعية على ما استدل به لأجله .
دلالة اللفظ : صريح في ذكر الموضوع .
دلالة اللزوم : غير صريح في ذكر الموضوع ، ملزم في الدلالة عقلا .
أصناف المسلمين من حيث التفقه في الدين
يختلف المسلمون من حيث قدراتهم العقلية الفطرية و المكتسبة اختلافا كبيرا ، مما ينتج عنه اختلاف في المسؤولية الملقاة على عاتقهم من حيث تفقههم فيما يلزمهم في أمور دنياهم و أخراهم .
نبدأ أولا بتقسيم التفقه حتى لا يختلط الحابل بالنابل .
يمكن تقسيم التفقه إلى تفقه الخاصة و تفقه العامة ؛
- فتفقه الخاصة هو تفقه طلبة العلم الشرعي الذين تخصصوا في هذا الميدان الجليل لارتباطه بشريعة الله سبحانه و تعالى ، و حكمه فرض كفاية على كل مجتمع من المسلمين ، أي إذا قام به البعض سقط عن الكل و إذا تركه الكل أثم الجميع ، و الكل هنا هو كل المجتمع لا كل الأمة كما يفهم الكثير ، و الدليل قول رب العزة و الجلال ( وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فيجب أن تنفر من كل فرقة ( مجتمع ) من المسلمين طائفة ( مجموعة ) ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم ( مجتمعهم ) إذا عادوا إليهم لعل المجتمع يحذر من عذاب الله . في هذه الآية الكريمة تبيان على أن بعض الفتاوى التي تصلح لمجتمع في المشرق مثلا قد لا تصلح لمجتمع في المغرب و العكس صحيح ، و ذلك لأن أحوال المجتمعات مختلفة كما أحوال الأفراد مختلفة ، و أمثل لذلك بفتوى عدم جواز العمل في مكان به اختلاط و إن ساد الاحترام عند المشارقة و هذا لأن جل مجتمعهم كذلك أو كان كذلك ، و التي لا يمكن إسقاطها في مجتمع المغاربة و إلا قلنا العمل بالمدرسة العمومية حرام مثلا ، و هذا بعيد جدا عن الصواب .
و هذا التفقه يدخل تحته المتبع و المرجح و المجتهد .
- تفقه العامة و هو الواجب وجوبا عينيا على كل مسلم ، و هو التفقه في المسائل التي تهم طبيعة حياتك ، منها ما هو مشترك بين الجميع كالتفقه في الصلاة و الصيام عند البلوغ و التفقه في النكاح عند الزواج و هكذا ، و منها ما هو غير مشترك بين الجميع لأن من الأفراد من سيحتاجه في حياته و منهم من لن يحتاجه كبلوغ المال للنصاب و مرور الحول الذي يوجب التفقه في الزكاة ، و الاستطاعة المالية و الجسدية التي توجب التفقه في الحج و هكذا .
و هذا التفقه يدخل تحته المقلد و المتبع و المرجح .
فالمتبع و المرجح يدخلان في كلا القسمين ، و لكن متبع و مرجح القسم الأول يختلفان عن متبع و مرجح القسم الثاني و سيأتي تبيان ذلك في تتمة المقال إن شاء الله .
- المقلد : هو ذلك المسلم الأمي ذو القدرات العقلية الضعيفة ، و الذي أجاز له الفقهاء بعض الأذكار بدل الفاتحة في الصلاة لعدم قدرته على حفظها ، أو ذلك الرجل المسن الذي أسلم حديثا و لا يُتوقع استمرار حياته طويلا و هكذا ، و هؤلاء يجوز لهم اتباع قول أقرب فقيه منهم يثقون به دون مطالبة بالدليل الشرعي لعدم قدرتهم على فهمه .
- المتبع في تفقه الخاصة : هو ذاك المبتدئ في طلب العلم الشرعي و الذي يجب عليه تبني أقوال شيخه الذي لزمه بعد أن تحرى عن عقيدته و علمه و أدبه مع معرفة الدليل الشرعي ، و لا ينبغي له مخالفة شيخه بتبني أقوال مشايخ آخرين إلا بعد بلوغ مرحة التوسط في الطلب و القدرة على الترجيح .
- المتبع في تفقه العامة : هو ذلك المسلم العادي ذو القدرات العقلية العادية ، و تمثل شريحته أغلب المجتمع في عصرنا ، و هؤلاء ينبغي عليهم اتباع قول أقرب فقيه منهم يثقون به و بعلمه مع وجوب مطالبتهم بالدليل الشرعي الذي يعضد قوله .
- المرجح في تفقه الخاصة : هو طالب العلم الشرعي الذي بلغ مرحلة التوسط في الطلب و صار قادرا على الترجيح بين أقوال العلماء المرفوقة بالدليل الشرعي في الخلافيات ، و لا ينبغي له الخروج بقول جديد مخالف لأقوال العلماء .
- المرجح في تفقه العامة : هذه المرحلة هي منتهى فئة تفقه العامة التي لا يجوز لهم تجاوزها ، و المرجح هنا هو ذاك المسلم المتعلم الذي اكتسب في مراحل تعلمه لعلم من العلوم المستقلة عن الإسلاميات ضوابط معرفية و عقلية تجعله قادرا على الترجيح بين أقوال الفقهاء في الخلافيات بعد تتبع الأدلة .
- المجتهد : هذه المرحلة هي منتهى فئة تفقه الخاصة و يصلها العالم الذي تبحر في علم من العلوم الشرعية فيصبح قادرا على الاجتهاد في ذلك العلم الذي أتقنه و إن خرج به اجتهاده المبني على أسس علمية متينة إلى قول جديد . غير أنه لا ينبغي له الاجتهاد في العلوم الشرعية التي تخالف تخصصه إلا بعد بدل الجهد فيها كما بدل في تخصصه ، فالمحدث نقدم قوله في علم الحديث و نأخر قوله في أصول الفقه مثلا و هكذا .
و الله تعالى أعلى و أعلم
الحزبية المقيتة
- الحزبية في الإسلام هي التكتل تحت اسم ما ، له رجال و فكر و كيان معين ، و هي محرمة مذمومة نثنة و إن كان مسماها يوحي بالصلاح ، إلا حزبا واحدا ؛ و هو حزب الإسلام و المسلمين .
قال تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْوَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَقُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103)وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104)وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105)
و قال سبحانه (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (54)
أدلة تحريم الحزبية كثيرة جدا ، لكنني سأكتفي بهذين الدليلين لشموليتهما .
- مفاسد الحزبية كثيرة أذكر منها :
- التكتل تحت مسمى ما لفكر و كيان معين يجعل الولاء و البراء باعتبار ذلك التكتل لا باعتبار الإسلام و الكfر ، و هو أمر عظيم التحريم عند الله .
- تكتل الصالحين أو العلماء تحت مسمى ما لفكر و كيان معين يحد كثيرا من إصلاحهم للمجتمع ، علما أن إصلاحهم في المجتمع هو الدور الرئيسي الموكل لهم مجتمعيا في الإسلام ( الدين النصيحة - الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر - الأخلاق الحسنة - عون المرء لأخيه المسلم - الدعوة إلى الخير - بذل المعروف... )
و الحد من الإصلاح في المجتمع عند هذه الفئة يكون لعاملين ؛ عامل داخلي يتمثل في اقتصار الحب و النصرة على أفراد الحزب فقط و الأصل هو الحب للمسلمين و النصرة لهم جميعا و بغض المحرمات و الذنوب ، و عامل خارجي يتمثل في اجتناب المسلمين لنصح و توجيه كل منتم إلى كتلة معينة بخلاف غير المنتمي فإنه يحظى بقبول كبير .
و ينبغي التفريق بين تصنيف خبراء الاجتماع لافراد المجتمع قصد التفييئ و بين التبجح بالانتماء إلى كتلة معينة و التسمي باسمها ، فالأول شيء علمي و الثاني حزبية مقيتة . أمثل لذلك بنفسي ؛ قد يصفني الواصفون بالسلفي و حق لهم ذلك إذا قصدوا التصنيف ، لكنني لا أرضى باسم غير اسم مسلم ، و لا أتكتل في كتلة غير كتلة المسلمين و جماعتهم .
إن حمل الإنسان لعقيدة أو فكر أو منهج معين شيء مباح مادام المحمول مباحا شرعا ، و قد يكون شيئا واجبا إذا كان المحمول واجبا شرعا ، أما تكتل الحاملين له و اجتماعهم تحت مسمى معين و اتباعهم لرجال معينين و جعل الولاء و البراء مبنيا على هذا التكتل فهو الأمر الحرام و إن سمي الحزب حزب الله .
العين في الإسلام
قال صلى الله عليه و سلم " العين حق " صحيح مسلم ، و قال سبحانه ( و أما بنعمة ربك فحدث ) ، قد يُشكل الأمر على بعض المسلمين لعدم قدرتهم على الجمع و الربط بين معنيي النصين باعتبار الجانب العملي ؛ أي يتيهون بين استحباب التحديث بالنعمة استجابة للأمر في الآية و بين كراهة التحديث بها استنادا على الحديث ، فيلجؤون إلى نص دون الآخر ، و غالبا ما يميلون إلى كراهة التحديث بالنعمة خوفا من العين تاركين العمل بالآية الكريمة لما يُتخيل لهم من خطر في تفعيلها مجتمعيا ، و هذا للأسف مما ابتلي به عامة الناس فقيرهم و غنيهم ، متعلمهم و جاهلهم ، ملتزمهم إن صح التعبير و غيره إلا من رحم ربي .
فبالعودة إلى النصوص الحديثية التي تكلمت عن العين نجدها تخاطب الناظر لا المنظور و لا متاع المنظور ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبنا قائلا " هلا إذا رأيت ما يعجبك برّكت " صححه الألباني ، و قد وردت هذه الصيغة و مثيلاتها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم دون أن يرد عنه عليه الصلاة و السلام خطابا ثابتا يدعو إلى ستر النعمة باستثناء ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الاستعانة بالكتمان عند قضاء الحوائج لا عند النعمة الحاصلة ( الستر مطلوب أثناء بذل الأسباب لتحقيق النعمة لا حين تحصيلها ) ، على ما في هذه الرواية من ضعف في الإسناد ، و إلا فإنه قال " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " حديث حسن ، و قوله " إن الله جميل يحب الجمال " رواه مسلم ، فالجانب العملي الوحيد الذي شُرع لنا بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لمحاربة العين و أثرها في النعمة الحاصلة هو التبريك و ذكر الله عند رؤية ما يُعجب ، دون الممارسات غير الشرعية التي صرنا نراها اليوم من كذب و تصرفات صبيانية أحيانا قصد إخفاء النعم خوفا من العين .
ثم إن العين مهما بلغت من مبلغ أخاف الناس فإنها تضل دائما تحت قضاء الله و قدره ، فإنه لا يصيبك منها إلا ما قدّر الله لك ، و المؤمن يشكر في السراء و يصبر في الضراء و لا يجد بعدهما إلا الخير كما جاء في الحديث الثابت .
أمّا عقلا فإن هذا الأسلوب في الفرار من العين بستر النعم أسلوب لا عقلاني ، فحال صاحبه كالذي لا يخرج إلى الشارع خوفا من أن تصدمه سيارة ، أو لا يستعمل قنينة الغاز خوفا من الانفجار و الحريق ، أو لا يستعمل الكهرباء خوفا من السعق .
أخيرا عش حياتك بشكل طبيعي جدا ، دون ستر مبالغ فيه و لا افتضاح مذموم ، و ليس عليك إلا أن تبرّك عندما ترى ما يُعجبك سواء من نفسك أو من غيرك .
كروية أم مسطحة ؟
نجد الكثير من المسلمين يتصادمون على مواقع التواصل الاجتماعي حول الأرض ، فريق يصفها بالكروية و يعتمد على الأدلة التجريبية ، و فريق يصفها بالمسطحة و يعتمد على الأدلة القرآنية ( زعما منه أنها تدل على التسطيح ) ، لكن ينبغي أولا تحديد المعنى المقصود من كلمة أرض في القرآن و العربية و في العلوم التجريبية .
معلوم أن القرآن و العربية يطلقان لفظ الأرض على الكل و مثاله ( السماوات و الأرض ) و على الجزء و مثاله ( أرض العرب ) و هكذا ، أما العلم التجريبي فيطلق لفظ الأرض على الكل فقط ( الكوكب ) دون الجزء ، فهذا الأخير تطلق عليه مصطلحات أخرى ( قارة ، يابسة ، جزيرة ، شبه الجزيرة... )
و بالتالي فإن وصف الأرض في كل آية قرآنية يكون إما باعتبار الكل أو باعتبار الجزء ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى فإن القرآن الكريم يعتبر المرجعية ، أي أنه يصفها باعتبار مرجعية معينة .
أمثل للمرجعية بمثال حتى يتضح الأمر أكثر ، إذا قلت التفاحة تشبع كل فأر جائع ، فهذه جملة صحيحة معرفيا ، و إذا قلت التفاحة لا تشبع أي فيل جائع فهي أيضا جملة صحيحة ، و هذا لأن المرجع مختلف ، فالمرجع في الجملة الأولى هو الفأر ، أما في الجملة الثانية فهو الفيل ، و النتيجة هي جملتان صحيحتان معرفيا رغم حملهما لمعنيين متضادين و متضاربين ، و ذلك لاختلاف المرجع المعيار .
و بالتالي فإن عامل الكل و الجزء و عامل المرجع واجب استحضارهما لفهم الآيات المتكلمة عن شكل الأرض ، و سأترك عاملا ثالثا إلى آخر المقال .
الآيات التي يُستدل بها لإثبات أن الأرض كلها مسطحة منها ما يلي :
( وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) [ الغاشية : 20 ]
يُستدل بهذه الآية الكريمة أن الأرض مسطحة ، لكن إذا رجعنا إلى الآيات التي تسبقها نجد قوله تعالى ( أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت و إلى الجبال كيف نصبت و إلى الارض كيف سطحت ) ، و بالتالي فالمرجع هنا هو نظر الكفار خصوصا و نظر نوع البشر عموما ، فنحن من نراها قد سطحت ، كما نرى السماء قد رفعت ، و معلوم أن الله تعالى فوق السماء ، و بالتالي فإن المرجع هنا هو الإنسان و نظره ، ثم إن المقصود في الآية هو الجزء و ليس الكل ، و ذكره سبحانه للجبال قبل الأرض يبين أن المقصود بالأرض في هذه الآية الكريمة هو السهل و ليس جميع الأرض كما قد يتبادر لبعض الأذهان ، فالابل مستقلة عن السماء و السماء مستقلة عن الجبال و بالتالي فالأصل أن الجبال مستقلة عن الأرض هنا ، و ما جاء في القرآن من تسطيح للأرض يقصد به السهل و ليس جميع الأرض .
( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ) [ الحجر : 19 ]
ثم يُستدل بهذه الآية على تسطيح الأرض رغم أن اللفظ هو المدّ ، و معلوم أن الشيء الممدود هو الشيء بعيد الأطراف أو ما لا أطراف له و هذا كمال المد ، و هو ما لا يتحقق إلا في المجسم الكروي ، فهنا المقصود هو الكل و المرجع هو الله تعالى و ليس الإنسان ، لكن اللفظ لا يوجب التسطيح أبدا .
( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ) [ نوح : 19 ]
و هذه الآية مما يستدل به على تسطيح الأرض ، و مرة أخرى المرجع هنا الإنسان و يظهر ذلك في ( جعل لكم ) ، و بالتالي فهي لنا بساطا فعلا ، لكن هذا لا يدل على التسطيح أبدا .
( والأرض بعد ذلك دحاها ) [ النازعات : 30 ]
و دحاها بمعنى جعلها ممدودة واسعة و عظيمة ، فالدّحُوح وصف يطلق عند العرب على الشيء الممتد الواسع العريض و على المرأة العظيمة ، و معلوم أن امرأة عظيمة بمعنى عريضة و ليس بمعنى مسطحة ، و بالتالي كيف يكون اللفظ يدل على التسطيح !؟
أعزز قول أن كل هذه الأوصاف التي لم تتقيد بالإنسان كمرجع و التي تقصد الأرض ككل لا كجزء لا تدل على التسطيح بأن من يعتقدون أن الأرض مسطحة لا يقولون بالأرض الممهدة أو المدحوة أو الممدودة في مقابل الأرض الكروية ، و إنما المسطحة و هو اللفظ الذي جاء مقيدا بالمرجعية الإنسانية و بالجزئية لا الكلية كما سلف التبيان .
و هكذا هي كل النصوص التي يستدلون بها ، دلالاتها لفظية على الأرض ، غير قطعية على أنها مسطحة . بينما الدليل الذي يدل على كروية الأرض دلالته دلالة لزوم غير لفظية ، لكنها قطعية عقلا على أن الأرض كروية ، و الدليل كالتالي :
قال سبحانه (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) الزمر الآية (5) .
يُكَوِّرُ بمعنى يجعل الشيء كالكرة ، و ليس التكوير كالتدوير ، فالتكوير ثلاثي الأبعاد و منه كلمة كرة ، و التدوير ثنائي الأبعاد و منه كلمة دائرة . معلوم أن النهار هو الجزء المضيء من الأرض في لحظة معينة ، و الليل هو الجزء المظلم من الأرض في لحظة معينة ، و بما أنهما يتكوران على بعضهما فإن دلالة كروية الأرض لازمة من الآية لا غبار عليها .
أشير هنا أن السلف الذين قالوا بتسطيح الأرض معذورون و ذلك راجع للعامل الثالث الذي سيأتي ذكره ، لكن غير المعذور هو من يتشبث باجتهاد العالم كما يتشبث بالقرآن ، و يؤول النص الشرعي لكي يتطابق مع فهم العالم بعلة لزوم فهم السلف ، و هذا من الخطإ ، فلزوم فهم السلف واجب في نصوص و أولى في أخرى و ليس بأولى في نصوص أخرى و منها التي جُعلت لإقامة الحجة على كفار في زمن غير زمن الصحابة ، و هذا يحتاج إلى مقال مستقل سيأتي إن شاء الله .
العامل الثالث الذي ينبغي اعتباره عند مثل هذه الآيات هو عامل التورية العلمية في القرآن إن صح التعبير ( و التورية هي التكلم بكلام صادق يحتمل معنيين أو أكثر ، و يكون المقصود منه ليس المعنى الظاهر و إنما المعنى الأقل ظهورا لسبب من الأسباب ، و لا يجوز الحلف على أساسه بخلاف ما تفعل العامة لأن القسم يعتبر فهم المخاطَب لا لفظ المخاطِب ) فمعلوم أن الله تعالى شرّع شرائع بشكل مباشر دون تدرج ، و شرّع أخرى بتدرج مثل التدرج في تحريم الخمر ، و من علل ذلك أنه سبحانه لطف بالمسلمين لأنهم اعتادوها و يصعب التخلص من إدمانها في لحظة ، كذلك أمر العلم ، فالتصريح بكروية الأرض لأناس أميين يرون الأرض مسطحة سينتج الارتباك و الأثر السلبي على عقول حديثي العهد بالشرك ، و من لطفه تعالى جعل الآية تدل على الكروية بأسلوب دلالة اللزوم لا بدلالة اللفظ ، و من نفس المنهج قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "حدثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يُكذَّب اللهُ ورسولهُ؟". صحيح البخاري ، فالمنهج الإسلامي في هذا هو تعليم كل متعلم على قدر إمكانياته ، لأن الأساس الأولي هو ثبوت الإيمان .
ثم إن أهم أسباب تكلم الله تعالى بهذا الكلام هو السبب المذكور في قوله تعالى ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (53) الله تعالى شاء أن يظهر للكفار آياته ( الكونية و القرآنية ) في الآفاق و في البشرية لكي يتبين لهم أنه الحق سبحانه و لتقام عليهم الحجة البالغة ، و ربما تدخل هذه الآية العظيمة في هذا الباب . و الله تعالى أعلى و أعلم .
زواج الصغيرة (الشيخ عمر المغربي)
مما يروجه أعداء الإسلام والملاحدة وجُهّل الامة شبهة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها، نأسف لزمان تنتشر فيه مثل هذه الشبهات التي تنعت رسولنا الكريم المبعوث رحمة للعالمين -صلى الله عليه وسلم - بالشهواني (حاشا بأبي وامي صلى الله عليه وسلم) فهو الذي لم يتعاطى الخمور ولو لمرة واحدة في حياته، وهو الذي لم يدخل واحدة من بيوت البغاء التي كانت تملأ مكة في فترة شبابه ، وهو الذي شهد له قومه قبل البعثة بالصدق والامانة .
فكيف لإنسان طبيعي ذو تفكير سليم أن ينعته بمثل هذه الصفة ، فقد تزوج بالسيدة خديجة رضي الله عنها في فترة شبابه وهي تكبره سنا !!!
و بعد وفاتها رضي الله عنها بثلاث سنوات ، تزوج بأم المؤمنين سودة بنت زمعة وهي تقرب السبعين عاما ، بعد ان عادت من الحبشة وقد مات زوجها ولم يكن هناك في مكة احد يحميها من بطش وعدوان المشركين ، بعدها تزوج زوجاته الأخريات جبرا بخواطرهن ورحمة بهن ..
فهل تتناسب مثل هذه الشبهات مع مكانة هذا الشخص العظيم؟ وهل هناك مانع شرعي أو عقلي أو صحي أو حتى عرفي يتعلق بهذا الزواج؟
هذا ما سنجيب عليه من خلال النقاط التالية:
*النقطة الاولى: زواج النبي ﷺ عليه وسلم من أمنا عائشة رضي الله عنها كان بوحي*
فقد ثبت في البخاري من حديثها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :"رَأَيْتُكِ في المَنامِ يَجِيءُ بكِ المَلَكُ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فقالَ لِي: هذِه امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عن وجْهِكِ الثَّوْبَ فإذا أنْتِ هي، فَقُلتُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ".
و قد ذكر أهل العلم أن رؤيا الأنبياء وحي، ونقل الإجماع عليه الهيثمي في فتاواه، وقد روى البخاري تعليقا عن عبيد بن عمير ـ رحمه الله ـ أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ: إني أرى في المنام أني أذبحك.
وقد روى هذا الأثر دون الآية الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وإسناده حسن.
وقال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطإ من المعاني والأسانيد: حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسيني قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا المزني قال: سمعت الشافعي يقول: رؤيا الأنبياء وحي ـ وقد روينا عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي وتلا: إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر.
إذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختر عائشة حتى ؛ بل الله عزوجل لكرامة عائشة عنده و أبيها الصدوق اكرمهم الله بزواج ابنته من رسول الله صلى الله عليه و سلم
*النقطة الثانية : عائشة رضي الله عنها قد خُطبت لجبير بن مطعم بن عدي قبل أن يخطبها رسول الله صلى الله عليه*
كانت عائشة رضي الله عنها قد خُطبت لجبير بن مطعم بن عدي، ولم يكن قد أسلم، ولكن أبا بكر بقي على عهده له، فلما جاءت خولة خاطبة لعائشة لم يشأ أبو بكر أن يعطي كلمة حتى ينظر في وعده، فتوجه إلى بيت المطعم بن عدي، فقالت أم جبير – وكانت مشركة – يا ابن أبي قحافة ( وهي كنية ابو بكر ) إن زوَّجنا ابننا ابنتك تدعوه للدخول في دينك وتُصبئه. فالتفت أبو بكر إلى المطعم، فكأنه أمن على كلامها ، فانصرف أبو بكر وهو يشعر بارتياح لتحلله من وعده، وذهب إلى منزله وقال لخولة : اذهبي فادعي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
وهذا الحديث شوكة في حلق الطاعنين في النبي صلى الله عليه و سلم فالأمر لم يكن مختصا بالنبي عليه الصلاة و السلام إنما كان امرا معروفا شائعا من دون نكير في مجتمعهم وزمانهم.
وهذه المسائل ربطها الاسلام بعرف الناس وعادتهم ما دامت لا تخالف شريعة الله ولا ضرر فيها على المرأة ؛ فالضرر مرفوع على كل حال .
*النقطة الثالثة: سن أمنا عائشة رضي الله عنها عندما تزوجها وعند الدخول بها*
تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعائشة، وهي بنت ست أو سبع سنوات، ودخل بها وهي بنت تسع سنوات، ففي الصحيحين -واللفظ لمسلم-: عن الأسود عن عائشة قالت: «تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي بنت ست، وبنى بها، وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة»، فلماذا انتظر ثلاث سنوات كاملة ليدخل بها؟! هذا دليل على أنه لم يدخل بها أو يجامعها أبدًا، وهي غير قادرة أو مؤهَّلة لذلك.
ومن المعروف طبيًّا أن البلوغ في المناطق الحارة يكون أسرع منه في المناطق الأقل حرارة. وقد يصل سن البلوغ عند الفتيات في المناطق الحارة إلى 8 أو 9 سنوات. كما تقول الدكتورة "دوشني" -وهي طبيبة أمريكية-: "إن الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة، والفتاة ذات الأصل الإفريقي عند السادسة. ومن الثابت طبيًّا أيضًا أن أول حيضة والمعروفة باسم (المينارك menarche) تقع بين سن التاسعة والخامسة عشرة".
*النقطة الرابعة: لم يستنكر زواج النبي عليه السلام بعائشة أحد حتى جاء أفراخ الكنيسة ومن تعلق بهم بعد ذلك*
لما توفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ، جاءت خولة بنت حكيم رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله ألا تزوج؟. قال: «مَنْ »؟. قالت: إن شئتَ بكرًا، وإن شئت ثيبًا. قال: فمن البِكْرُ ومن الثيبُ؟. فقالت: أما البِكْرُ فعائشة بنت أحب خلقِ اللهِ إِليكَ أبي بكر وأما الثَّيِّب فسَودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتَّبعتكَ.
قال: فاذهبي فاذكريهما عليَّ. قالت خوله رضي الله عنها: فدخلت بيت أبي بكر، وأتيت زوجته رضي الله عنها فقلتُ لها: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟. قالت: ماذا؟. فقلت: أرسلني رسول الله أخطب عليك عائشة. قالت: انتظري فإن أبا بكر آت. ولما جاء أبو بكر رضي الله عنه ذكرتُ له ذلك. فقال: قولي لرسول الله ﷺ فليأتِ، فجاء رسول الله ﷺ فزوجها إياه.
ثم انطلقت فدخلتُ على سَودة بنت زمعة فقلتُ لها: ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟. قالت: وما ذاك؟. قلت: أرسلني رسول الله أخطبك إليه، قالت: وددت، ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له ـ وكان أبوها شيخًا كبيرًا - فوافق على الخطبة، وقال: قولي لرسول الله ﷺ فليأت. قالت خولة: فجاء رسول الله ﷺ فزوجها إيَّاه.
فهل يستطيع انسان طبيعي بعد هذا الخبر ان يتهم النبي صلى الله عليه بالشذوذ واللا أخلاقية ( حاشا بأبي هو وأمي صلى الله عليه و سلم ).
فهذا اتهام لقرن كامل من البشر ، فخولة وأبو بكر و أم رومان والجبير ووالديه وقريش واليهود والنصارى وكفار قريش
كلهم لم يستنكروا زواج النبي عليه السلام بعائشة حتى جاء افراخ الكنيسة و العدميين الملاحدة الشعبويين الفايسبوكيين التيكتوكيين ليقولوا إن هذا زواج ضد الاخلاق!! هزلت.
*النقطة الخامسة: زواج الرجل من فتاة صغيرة ليس بدعًا في ذلك العصر، ولا في العصور التالية له*
هل كان هذا الزواج لا مثيل له في تلك الحقبة من الزمان !!؟
زواج الرجل من فتاة صغيرة ليس بدعًا في ذلك العصر، ولا في العصور التالية له، خاصة في البلاد التي تقوم على النظام القَبَلِيّ، ولا أدلّ على ذلك من زواج "عبد المطلب" الشيخ الكبير في السن من "هالة" بنت عمّ "آمنة" في اليوم الذي تزوّج فيه "عبد الله" أصغر أبنائه من صبيّة هي في سنّ هالة، وهي آمنة بنت وهب.
وزواج أم كلثوم بنت علي بن ابي طالب رضي الله عنهما من الخليفة عمر رضي الله عنه ثابت، وقد رزقت منه ولدا وبنتا، قال بن كثير في البداية والنهاية : وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة، وأكرمها إكراما زائدا أصدقها أربعين ألف درهم لأجل نسبها من رسول الله، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب.
وعرض عمر رضي الله عنه بنته حفصة عندما تأيمت من خُنيس بن حذافة السهمي و عرضها كذلك على ابو بكر
هذا وبينهما من العمر الشئ الكثير جدا.
وهذا يظهر لك أيها القارئ المنصف الباحث عن الحق أن سبب الإعتراض هو البغض والحقد على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى الإسلام العظيم حتى لو كان الامر مقبولا ومعمولا به عند من سبقنا من الأمم.
لكن ما دامت الكنيسة ستجدها مدخلا عند السذج الاغبياء المضحوك عليهم فلا حرح من المحاولة..
*النقطة السادسة: عدم اعتراض كفار قريش على زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمنا عائشة مع حرصهم على القدح فيه صلى الله عليه وسلم بأدنى شبهة*
ألم تكن قريش واليهود و النصارى و المنافقين أَوْلَى بالطعن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان ما فعله بالزواج من عائشة مستهجنًا في ذلك الوقت، وهم الذين يعادونه ويسعون للقضاء عليه وإبعاد الناس عن الانخراط في دعوته، وينتظرون له زلة أو سقطة ليشنِّعوا عليه. فمن أعظم الأدلة والبراهين على أن الزواج بعائشة كان أمرًا طبيعيًّا من الناحية الاجتماعية ولا عيب فيه، إقرار أعداءه واعداء الاسلام مع اختلاف اوطانهم وعقائدهم به وعدم التعرض له، مع حرصهم على رميه بكل بهتان ليس موجود فيه أصلاً مثل قولهم: شاعر أو مجنون.
*النقطة السابعة: فضل أمنا عائشة وعلمها وتلقيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم*
كانت عائشة -رضي الله عنها- في تلك السن التي يكون فيه الإنسان أفرغ بالاً، وأشد استعدادًا لتلقي العلم. فزوجات الحبيب المصطفى كنّ كبيرات في السن، ولا شك أن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وهناك الكثير من الأمور الدينية الخاصة بالنساء، أو بعلاقة الرجل بزوجته وأهل بيته، والتي تحتاج لحافظة واعية تستطيع أن تبلِّغ هذا العلم لغيرها، وهذا ما حدث منها رضي الله عنها، فقد كانت عالمة وفقيهة ولغوية وناقلة للفقة من بيت النبوة إلى الأمة.
فإن كانت فعلا طفلة غير قادرة كما يدعون ، فكيف للطفلة ان تكون من بين اعظم رواة الحديث ؟
وكيف للطفلة ان تكون مصدرا لتلقي العلم ونقل السنة ؟
ويظهر ذلك جليًّا في قول الإمام الزُهري: "لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل"، ويقول عطاء بن أبي رباح: "كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة".
_وقال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) رواه البخاري.
_قال مسروق بن الأجدع التابعي الإمام القدوة: "والذي نفسي بيده لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يسألونها عن الفرائض!!".
وقال عنها عروة بن الزبير - ابن اختها أسماء -: "ما رأيت أحدا من الناس أعلم بالقرآن، ولا بفريضة، ولا بحلال وحرام، ولا بشعر، ولا بحديث العرب، ولا النسب من عائشة رضي الله عنها".
وما تركناه من شهادات الاقران لها من صحابة وتابعين كثير جدا في هذا الباب.
*النقطة الثامنة: سن البلوغ في الزمن الأول*
قال الترمذي : قالت عائشة : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة .
"سنن الترمذي" (2/409).
وقال الإمام الشافعي : " رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرا " .
"سير أعلام النبلاء" (10 / 91).
وروى البيهقي (1588) عَنِ الشَّافِعِىِّ قَالَ : " أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْتُ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ يَحِضْنَ نِسَاءٌ بِتِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ " .
وقَالَ الشَّافِعِىُّ أيضا : " رَأَيْتُ بِصَنْعَاءَ جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً ، حَاضَتْ ابْنَةَ تِسْعٍ وَوَلَدَتْ ابْنَةَ عَشْرٍ ، وَحَاضَتِ الْبِنْتُ ابْنَةَ تِسْعٍ وَوَلَدَتْ ابْنَةَ عَشْرٍ " .
"السنن الكبرى للبيهقي" (1 / 319).
فلما الإعتراض وهذا الشافعي يحكي ما رآه وما سمعه وقد كانت ولادته سنة 150 هجرية !!
يعني بعد هذا الزواج بقرن ونصف !!! سبحان الله العظيم .
*النقطة التاسعة: إدراك حقائق التاريخ والسياقات الاجتماعية لفهم زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها*
في سياق فهم زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها، من المهم إدراك حقائق التاريخ والسياقات الاجتماعية. في فترات سابقة، كان زواج الفتيات في سن مبكرة أمراً شائعاً ومسموحاً به في العديد من الثقافات، بما في ذلك الدول الأوروبية . فقد كان الزواج من الفتيات في سن 13 عامًا مقبولاً في إسبانيا و المكسيك وفي ثلاثة عشر ولاية في أمريكا ، و في الإكوادور 12 سنة، بينما كان يُسمح بذلك في الهند منذ عام 1860 للفتيات في سن 10 سنوات. و حتى الولايات المتحدة الأمريكية كانت لديها قوانين تسمح بزواج الفتيات من عمر 10الى 12 سنة عام 1885، ليتم الإنتقال تدريجيا حتى بلغ السن المسموح به بين 16-18 سنة عام 2014.
هذا التاريخ يوضح أن العديد من المجتمعات قد اعتبرت هذا الأمر طبيعيًا وأخلاقيًا، بينما نجد أن بعض النقاد يتهمون الإسلام بالوحشية والهمجية عندما يتعلق الأمر بزواج النبي صلى الله عليه وسلم. إن هذا الاتهام لا يعدو كونه محاولة لتشويه صورة الإسلام، إذ يُظهرون ازدواجية في المعايير؛ فبينما يُقبل الزواج المبكر في الثقافات الغربية، يشدد عليه كعمل غير أخلاقي عندما يتعلق بالإسلام وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الانحياز يكشف عن رغبة في تحريف الحقائق التاريخية وإظهار الإسلام بصورة سلبية، رغم أن سياق تلك الحقبة كان مختلفًا تمامًا.
ويبقى السؤال المطروح هو: *لماذا يا ترى يعتبر الزواج في سن مبكرة مقبولا وأخلاقيا في فترة وفي ثقافات معينة، و في نفس الوقت يعتبر شذوذا ولا أخلاقيا في فترة وثقافة أخرى* ؟؟؟
و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك و وعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها حين يمسي، فمات من ليلته؛ دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح، فمات من يومه؛ دخل الجنة " صحيح البخاري .
بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفارا يغفر الله تعالى به ذنوب المسلمين و يدخلهم الجنة إن استغفروا الله بذكره في صباحهم أو مساءهم ، و هو الذي بين أيديكم و الذي أُطلق عليه اسم سيد الاستغفار ، و كفى به وصفا لعظمة شأنه .
اعتاد أغلب المسلمين هذا الدعاء العظيم في صلاتهم ، و قد يكررونه لعشرات المرات في يومهم ، و هو أمر محمود جدا و مبشر لهم بالجنة إن لزموه ، لكن أغلب الداعين بهذا الدعاء يغلطون في فهم جزء منه بسبب احتمال اللغة فيه لمعاني مختلفة ، و هذا راجع إلى تقصير في دراسة العقيدة الإسلامية الواجبة عينا ، و هي سهلة ميسرة للعموم ، و لا أقصد هنا أصول الاعتقاد التي تجب على طلبة العلم الشرعي دون غيرهم ، فهذه الأخيرة فرض كفاية و ننهى العامة عن الخوض فيها ، فهي إنما خيض فيها لدفع شبه أهل الضلال الفكري و العقدي و ليس لذاتها .
أما الغلط في الفهم فيتعلق ب"و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت"
و معلوم في اللغة أن ما تحتمل معاني متعددة ، و ما هنا جاءت تحتمل معنيين ظاهرين :
الأول :و أنا على عهدك يا الله و وعدك لم أستطع .
الثاني :و أنا على عهدك يا الله و وعدك ما دمت مستطيعا .
و المعنى المقصود في الدعاء و الصحيح عقيدة هو المعنى الثاني الذي جاءت فيه "ما" شرطية تربط لزوم العهد بالاستطاعة ، و أدلة ذلك من الكتاب و السنة متواترة المعنى نذكر منها :
قول الله سبحانه (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة(286)
قول الله تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) البقرة(173)
قول ربي جل جلاله (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) الأنعام(119)
كذلك القاعدة الفقهية المعتمدة المستنبطة من النصوص الشرعية ؛ "الضرورات تبيح المحذورات" .
أما فهم "ما" في الدعاء كحرف نفي فهو غلط عقدي لا ينبغي اعتقاده ، فالمسلم لا يستسلم لأمر عدم القدرة على الوفاء بعهد الله المقدور عليه و الذي هو في الاستطاعة ، و إنما يفي و يسقط لبشريته في ذنوب فينهض و يتوب و يستغفر و يلزم عهد الله سبحانه مادام فيما يستطيعه و يقدر عليه ، وقد يذنب مرة أخرى فيتوب و يصلح مرة أخرى ولا مجال للاستسلام ، إنما هي حرب مع الشيطان إلى أن نلقى الله وهو عنا راض إن شاء الله نعترف له سبحانه بضعفنا و احتياجنا إليه جل جلاله ، ولا يحاسبنا الرحمن على ما لا طاقة لنا به ، فلا إثم على شارب الخمر المضطر خوفا من الموت عطشا ، و لا على المقترض ربا للعملية الجراحية لولده خوف هلاكه بعدما لم يجد له مقرضا محسنا ، ولا على عدم إتيان ركن الحج للفقير .
فالوفاء بالعهد واجب اللزوم لقول ربي الكريم (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (21) سورة الرعد .
الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ليس بمعنى الذين لا يسقطون في الذنب فهذا محال إلا لأهل العصمة من الأنبياء ، و إنما الذين يلزمون الدين و ينهضون بعد السقوط فيتوبون و يحاربون الوسواس الخناس باللجوء إلى رب الناس.