فكر ميكروسكوبي (فكروسكوبي)

 فكر ميكروسكوبي (فكروسكوبي)

نوعية المقالات

مقالات اقتصادية

العملة المزيفة 

قبل آلاف السنين ، كان الناس يتعاملون فيما بينهم بالمقايضة ؛ الجزر مقابل البصل أو الحليب مقابل القمح و هكذا ، ثم احتاج البشر لشيء أخف حملا و أكبر قيمة ليجعل العملية التجارية أسهل فاستعملوا الذهب و الفضة ، ثم جعلوهما على شكل قطع متساوية الأحجام حتى تكون العملية التجارية أسرع ، فظهرت العملات الذهبية و الفضية و التي سميت على التوالي عند العرب بالدينار و الدرهم ، و معلوم أن العرب أخذوا هذه المعاملة الاقتصادية من الحضارات التي زامنتهم ، و ذلك قبل ظهور الإسلام و حضارته و بروزه و بزوغ نوره فوق الحضارات المعاصرة له .


جاء الإسلام فنظم المعملات التجارية عموما و ما يتعلق بالذهب و الفضة خصوصا بما يحفظ حق كل تاجر أو منتج أو مستهلك ، و استمر الحال هكذا .


بسبب تركيز الشعوب الأروبية في عصرها الذهبي علميا على تطوير السلاح أولا ( لكل حضارة أو شعب عصرٌ ذهبي في المجال العلمي ، إلا أن الطبيعي هو أفول نجم علم حضارة و بروز نجم علم أخرى و هكذا كما بين أبو علم الاجتماع ابن خلدون ) تمكنوا من نهب الشعوب المحيطة بهم فالبعيدة منهم كأمريكا ، و جعلوا نهب الذهب هدفهم الأسمى ، فأنتج ذلك و لأول مرة في التاريخ احتكار شعوب متقاربة من أصل واحد في بقعة من الأرض صغيرة لأغلب ثروات الأرض ، و هذا مستمر إلى الآن في إفريقيا جنوب الصحراء . طبعا ليس هذا العامل الوحيد و لكنه العامل الأهم في الهيمنة الغربية إلى اليوم .


و في القرن التاسع عشر نُهب المغرب كباقي شعوب الأرض من طرف هؤلاء و برز عندنا لأول مرة عملة غير حقيقية القيمة ، و كانت تلك هي بداية ظهور الاقتصاد المزيف ، حيث استبدل المغاربة العملات الذهبية و الفضية بعملة نحاسية ذات قيمة رمزية لا حقيقية ، لأن وزن تلك القطعة النحاسية لا يساوي قيمة مقتنياتها ، لكن بعد جهود كبيرة مبذولة عاد المغاربة إلى العملات الحقيقية مرة أخرى في نهاية القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين .


ثم جاء الحتلال الفرنسي لهذه الأرض التي لم تعرف إلا الاستقلال لأزيد من ألفية من الزمن ، فكانت نكسة .

دخل الأروبيون في حروب بينهم لأسباب سبق ذكرها و هي التركيز على تطوير الأسلحة و التركيز على النهب مما جعل أطماعهم تتضارب ، فكانت النتيجة هي استعمال تلك الأسلحة في الحرب بينهم و استعمال البشر من الدرجة الثالثة ( العرب و الأفارقة... ) في الميدان . أدى هذا إلى نزيف مخزونهم الاقتصادي فلجؤوا إلى سرقة ذهب ( مستعمراتهم ) و تم استبدال العملة الحقيقية بالعملة الورقية الرمزية ، و اتبع المغرب بعد استقلاله و باقي دول العالم نفس النهج فأخذوا الذهب و احتفظوا به في الخزائن و جعلوا الناس يتعاملون بالأوراق اللاتي لا قيمة لها ، و ادعو أن صك العملة سيكون على قدر كمية الذهب و الفضة في الخزينة حتى لا نسقط في اقتصاد وهمي ، لكن و في أواخر القرن العشرين اكتشف الغرب أن الولايات المتحدة الأمريكية تصك الدولار صكا دون مراعاة كميات المخزون مع العلم أن الدولار مرتبط بجميع عملات الدول الأخرى و مؤثر فيها لزوما ، و اعترفت أمريكا بذلك و طمأنت باقي دول العالم بأن الوضع الاقتصادي العالمي مستقر و لا خوف عليه ، و لم يكن لباقي الدول إلى الخضوع لأن أسد الغابة يهابه الجميع .


الكثير من الدول بعد أمريكا فعلت نفس الشيء ، و أصبحت الأوراق تصك دون مراعاة المخزونات فظهر التضخم في تلك الدول ، و أصبح الكيلوغرام من الموز يشترى بكميات من الأوراق . و للإشارة فإن زعيم ليبيا السابق معمر القذافي قد أقدم سنة 2010 على صك عملات ذهبية ذات قيمة حقيقية للتعامل بها دوليا و ضرب الدولار ، إلا أنه قُتل بعدها بسنة في ثورة الصبيان !!! ( الصورة للعملة المصكوكة سنة 2010 حسب مصادر متعددة )


زامنت بداية ظهور التضخم انتشار الأبناك الربوية بجل العالم ، و كان الإقبال عليها كبيرا ، و لجأ الناس إليها لحفظ أموالهم على أساس أنها الآمن للكنز ، لكن الكثير منهم لا يعلمون أن أموالهم غير موجودة بها حقيقة ؛ فالبنك لا يحتفظ عادة بأكثر من 10% من الودائع عنده ! و يستعمل 90% الأخرى في مشاريع ربوية أو تجارية يستفيد منها ، فإذا افترضنا أن كل مستعملين البنك ذهبوا إليه لاسترجاع أموالهم ، أو حتى أصحاب نصف الأموال فقط فإن البنك سيعلن إفلاسه لأنه لن يجد ما يعطيهم من أوراق ، إلا إذا تدخلت الدولة و صكت الأوراق للزبائن فينتج التضخم ( الأوراق المطبوعة تخفف قيمة العملة كما يخفف الماء اللبن ، فلتر اللبن دون ماء أجود بكثير من لتر لبن قد أضيف له الماء )


أما المرحلة التي نعيشها اليوم فهي الانتقال من عصر الأوراق ذات اللاقيمة إلى عصر الأرقام الوهمية ؛ حيث بدأ العالم الآن يعتمد على أرقام في بطاقات مختلفة الألوان ، يستعملها الناس لاقتناء أي شيء أرادوا ، يقول أحدهم أملك مليون دولارا ، و لا يملك حقيقة إلا أرقاما على شاشة ( قسيمة شرائية بمليون دولار ، إذا اختلت حواسيب البنك ضاعت القسيمة ) فإذا اهتز اقتصاد العالم بسبب حرب روسية أو إشاعة أمريكية أو جرأة قذافية فستتهاوى أرقامه كما تصير أعمال المنافقين هباء منثورا يوم القيامة ، نسأل الله السلامة . و لهذا فإن سعر الذهب يرتفع بشدة عند كل أزمة سياسية أو عسكرية كبيرة بالعالم ، لأن أصحاب الأموال يقبلون على اشتراء الذهب ذو القيمة الحقيقية بالدولار ذو القيمة العرفية المفروضة على العالم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق ربطه بالبترول ظلما و عدوانا .


هذا و لم نتحدث عن العالم الموازي الحالي و المقبل ( الميتافيرس ) و عملاته على رأسها البتكوين التي تستعمل في هذا العالم للاقتناء الافتراضي ، و التي تشترى بعملة الأوراق . فكلمة رجل واحد على تويتر ترفع قيمتها أو تخفضها لكثرة أتباعه .


كما يؤكد العديد من خبراء الاقتصاد في العالم على أن هذه اللعبة الاقتصادية غير المسلية التي صرنا نلعب تتجه بنا لزوما إلى الهاوية ، و مَثل ما نحن فيه كمثل سيارة على رأس جبل بدأت بالنزول و تتسارع كلما مر الوقت ، و يعلم راكبوها أنهم مصطدمون لامحالة إلا أنهم لا يرون أمامهم من شدة المتطايرات ، و كلما تأخر الاصطدام كلما تسارعت السيارة كلما صار الاصطدام المتوقع أفتك .


أخيرا إذا افترضنا أن الناس انتفضوا يريدون العملة الحقيقية كما كان أسلافهم ، فستكون النتيجة انهيار الاقتصاد الدولي و نهاية اللعبة .

تداول المال و طبيعة علاقته بالزكاة 

جعل الله سبحانه و تعالى الزكاة ركنا من أركان الإسلام ، و أوجبها على كل من بلغ ماله النصاب ( قيمة 85 غرام من الذهب ) أو أكثر ، و دار عليه الحول ( السنة الهجرية القمرية ) ، و مقدارها خمسُ العشر أي 2,5% من قيمة المال ، فيها تزكية لنفس المزكي ، و هي حق حقيقي للفقير على الغني ، أي مال فقير عند غني يجب أن يرده إليه .


نعود بالزمن إلى فترة صدر الإسلام ، و بالتحديد زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه و أرضاه ، و زمن التيسير على المسلمين بعد العسر الاقتصادي الذي عاشوه من قبل ، حينها كان الصحابي الجليل ( الذي جاء لوحده بقبيلتين مسلمتين إلى النبي صلى الله عليه و سلم في الزمن المكي ) أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قد خرج من المدينة إلى الربذة معترضا عن ادخار بعض الصحابة و المسلمين للمال و متبرئا منهم ، يكسب قوت يومه بيده ( درهمين ) يعيش بدرهم و يتصدق بالآخر ، مستدلا بقوله تعالى《والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون》(التوبة34،35). فكان يرى رضي الله عنه حرمة الادخار لأنه يعتبره عين الكنز ، بينما كان يرى باقي الصحابة أن الكنز هو المال الذي يبلغ النصاب و يمر عليه الحول و لا تخرج زكاته ، و أن المال الذي خرجت زكاته حلالا طيبا ، طبعا فإن الصواب الفقهي مع أغلب الصحابة و ليس مع أبي ذر ، لكن كمال الإحسان و الإيثار كان معه ، فكان هذا الصحابي الجليل أول من دعى إلى توزيع الثروات على الفقراء بدل ادخارها و الاكتفاء بإخراج الزكاة عليها ، فأكمل بقية حياته هنالك ، رافضا جميع محاولات الصحابة لإرضائه و رافضا دخول المدينة إلى أن توفاه الله تعالى .


معلوم أن في مجتمعنا أغنياء يخرجون الزكاة ، و أغنياء يعصون الله و لا يخرجونها ، لكن الذي تعلمه القلة هو وجود أغنياء لا تجب عليهم الزكاة ! و هم الذين يتداولون أموالهم فلا يمر حول على نصابها ، يكسبون فينفقون و يتصدقون و لا يخشون غول المستقبل ، قال الله تعالى ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ۖ والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ۗ والله واسع عليم ) هؤلاء حتى و إن لم تغلب عليهم الصدقة فإنهم على مذهب أبي ذر في ترك الادخار الكثير المذموم .


رجلان يكسبان من عمل أو استثمار ما مئة ألف درهم مغربية ( 10 ملايين سنتيم ) شهريا ، أحدهما يعيش بعشرين ألفا و يدخر ثمانين ألفا ، و الآخر يعيش بثمانين ألفا و يدخر عشرين ، و ينفق تلك العشرين عند الحاجة إليها فلا يبقى شيء .


الأول يعيش و أسرته في منزل ، يقومون على جميع احتياجاتهم بنفسهم ، يدخرون سنويا 96 مليون سنتيم ، يخرج قدر الزكاة سنويا أزيد من عشرين ألف درهم بقليل أي مقدار ألفين درهم شهريا ، يزيد بنفس القيمة سنويا و يحتفظ بالباقي إلى أن يصير مليارديرا بالأرقام دون رغبة في الاستثمار .


الثاني يعيش بمنزل واسع ، يعمل عنده سائق لتوصيل أفراد الأسرة ( بالشروط الشرعية طبعا ) و توصيل المقتنيات ، و بشهرية قدرها خمسة آلاف درهم ، أيضا طباخة و عاملة نظافة بأربعة آلاف لكل منهما ، و بستاني يأتيه مرة في الأسبوع مقابل ألف درهم شهريا ، كما أنه يستبدل بمعدل كل شهرين أثاثا معينا في المنزل و يتصدق بالأول الذي لا يزال جيدا لمن يحتاجه ، فيتيح فرصة عمل جديدة لحرفي معين ( نجار أو حداد... ) و أكثر إلى أن يتم الثمانين ألفا .


إذا أغفلنا جميع المصاريف الأولية المشتركة بين العائلتين كمصاريف الغذاء و المدرسة... فيظهر لنا أن الأول الذي يدخر و يخرج زكاة ماله غير قادر على سد احتياجات فرد واحد لمدة سنة في زكاته الأولى ، و لن يستطيع المساهمة بزكاته كما يساهم الآخر بإنفاقه إلا بعد سنين كثيرة ، لكن مساهمته مطبوعة بطابع اليد العليا و اليد السفلى و طابع المرة الواحدة للفرد الواحد غالبا ، بينما الثاني قد وفر فرصة تكوين أسرة للسائق و إعالة أرملة و أبنائها ، و زوجة رجل عاجز عن العمل مثلا ، و جزء من مصروف البستاني الذي يستطيع أن يفتح به أسرة إذا توفر له خمسة أمثال هذا الرجل مثلا ، و فرصة إجارة مهمة للنجار ، و ما تبقى من آلاف الدراهم المكملة للثمانين ألف تذهب نسبة 20% منها على الأقل كربح للطرف الآخر عند الاستهلاك مما يزيد فرص كسب المسلمين من العمل الحلال وهكذا . و هذا كله مطبوع بطابع الكرامة و العزة و طابع الاستمرارية و التوزيع على كثير من أفراد المجتمع .


و بالتالي لو أن جميع الأغنياء كانوا على شاكلة الرجل الأول لانكمش الاقتصاد و انتشرت البطالة فالفقر و الجريمة رغم تأديته للزكاة .

و لو أن جميع الأغنياء كانوا مثل الرجل الثاني لانتعش الاقتصاد و قلت البطالة و الفقر و الجريمة رغم عدم تأديته للزكاة لعدم توفر شروطها .


النتيجة هي أن تداول المال و إنفاقه يجعل المسلمين عموما يعيشون بكرامة أكثر و في مجتمع أقوى اقتصاديا رغم الزكاة القليلة ، و قلة تداوله و إنفاقه تجعل المسلمين عموما يعيشون بكرامة أقل و في مجتمع أضعف اقتصاديا رغم الزكاة الكثيرة . و كأن الزكاة شرعت في مقابل إمساك المال و عدم تداوله كي تخفف من الأثر السلبي للإمساك على الاقتصاد .


أخيرا فالمقال لا يدعو إلى الإسراف و لا إلى ثقافة الاستهلاك المفرط المتجاوز للإمكانيات ، و إنما يدعو إلى تجنب هوس الادخار الكثير عند الأغنياء بسبب وعيد الشيطان بالفقر المستقبلي أو بسبب التعامل مع المال كغاية بدل استعماله كوسيلة ، و الذي ينتج مجتمعا أفقر و أفسد ، فهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة فيعطي إبلا بين جبلين لرجل ليتألف قلبه ، و يموت عليه الصلاة و السلام و ذرعه مرهونة عند يهودي في طعام و لا يخشى الفاقة . و ما يُدخر بسويسرا سبب من الأسباب المباشرة لركود اقتصاد المجتمعات العربية . فبتداول المال تكون المنفعة المشتركة و العامة ، و بتخزينه و ترك التداول به يكون الركود و العجز و الفقر و الجريمة .

الأبناك التشاركية المغربية 

لن أتناول حكم الأبناك التشاركية شرعا لأنني غير مسؤول عن ذلك و لأنني لا أملك الحق في إطلاق الحكم فأنا لست من العلماء ، لكن يجوز لي الترجيح بين أقوالهم بعد دراسة المسألة و تبني القول الأصوب لنفسي و ذلك لأن تخصصي هو الدراسات الإسلامية .


الأبناك التشاركية المغربية هي فرع من الأبناك الربوية المشهورة ، و سبب إنشاء التشاركية هو وجود فئة عريضة من المجتمع رفضت اللجوء إلى الحل الربوي ، فتبين لمُسيري الربوية أن سوقا مهما مايزال مهملا و هو فئة "المحافظين" الذين لم يندمجوا مع هذه الأبناك ، فقرر مسيروا الربوية إنشاء أبناك تشاركية تثير اهتمام "المحافظين" مستقلة ظاهرا و مرتبطة باطنا بالأبناك الربوية .


معلوم أن التشاركية تستثمر في العقار ، إلا أنني سأمثل للمعاملة التشاركية بمعاملة تقصد اشتراء هاتف ذكي حتى نخرج من الخلفية البنكية و نفهم الوضعية من الناحية الشرعية .


ذهب رجل إلى بائع هواتف بالتقسيط فأخبره أنه يريد أن يشتري هاتفا ذكيا يملكه بائع آخر لا يبيع بالتقسيط ، على أن يعطي الرجل للبائع المقسط مبلغا يسمى هامش الجدية يرجع إلى الرجل بعد تمام العملية و أن يشتري البائع بالتقسيط الهاتف من الذي يبيع بدون تقسيط ثم يبيع المقسط الهاتف للرجل بالتقسيط مقابل ربح معلوم في مدة معلومة بدون وجود إمكانية فوائد ربوية للتأخير و ذلك لأنهما يتفقان على أن يكون المبلغ مقتطعا من مصدر ربح المشتري ثم يرجع هامش الجدية للرجل .


هذه هي معاملة الأبناك التشاركية ، و كلها تبدو جائزة من حيث الشرع باستثناء هامش الجدية الذي يُختلف فيه شرعا بين الجواز و عدمه ، فمن قال بالجواز استند إلى أن المسلم مطالب بالوفاء بالوعد شرعا و أن العقد شريعة المتعاقدين و إلى أن إرجاع هامش الجدية لمن رفض إتمام الاشتراء بعد اشتراء البنك للعقار تفعِّله الأبناك التشاركية بعد بيع نفس العقار لمشتر آخر إلا أن الخسارة إن حصلت يتكبدها هامش الجدية قبل البنك ، و من قال بعدمه استند إلى أن الأصل هو بقاء الرجل على الخيار حتى بعد اشتراء البنك للعقار و هو ما ينافي شرط هامش الجدية ، لكن عدم الجواز هنا ( عند من رُجح عنده هذا القول ) بعيدا كل البعد عن الربا الذي يعد كبيرة من كبائر الذنوب .


فئة عريضة من المجتمع المغربي تنظر إلى هذه الأبناك من حيث النتيجة النهائية لمعاملاتها و التي تكون غالبا أكثر تكلفة على المشتري من الربوية نفسها ، و لا يعيرون اهتماما للوسيلة و الطريقة التي هي أساس الفرق . فيجعلون التشاركية في نفس الأطار مع الربوية ، بل و يجعلها آخرون أكثر فسادا لأن تكلفتها أكبر .


قال الله تعالى ( و أحل الله البيع و حرم الربى ) في رده على من قال ( إنما البيع مثل الربى ) و يجب على المسلم أن يعلم أن البيع و الربا قد تكون لهما نفس النتيجة رغم حلِّ الأولى و حرمة الثانية ، و دليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لبلال حين أتاه بثمر جيد "من أين لك هذا ؟" فقال بلال رضي الله عنه كان لي ثمر رديء فبعت صاعين منه بصاع من هذا الثمر ليأكله النبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم "أوه عين الربا" ثم قال "بل بِع ثمرك ثم اشتري بعد ذلك هذا الثمر" أو كما قال عليه الصلاة و السلام ، و الحديث في الصحيحين . الذي وقع فيه بلال بغير علم هو ربا الفضل ؛ حيث أنه باع صاعين ثمر بصاع واحد . و الواجب هو بيع الصاعين بعملة نقدية أو بضاعة غير الثمر ثم اشتراء الصاع الجيد بذاك الثمن أو البضاعة .

و بالتالي نستنتج أن أساس الفرق بين البيع و الربا هي الوسيلة و الطريقة و ليست النتيجة بخلاف ما يظنه أغلم الناس .


ثم نمر الآن إلى تلك التكلفة المرتفعة عند التشاركية من الربوية ، ما سببها ؟


تقول التشاركية إن سببها الأول هي تكلفة الاشتراء ثم البيع التي يقومون بها و لا تقوم بها الربوية ( التسجيل و التحفيظ أو التسجيل وحده ، لا أستطيع الجزم هنا ) ثم تكلفة الوقت الأكبر بالنسبة للمعاملة التشاركية بخلاف الربوية ، و نحن نعلم أن الوقت يساوي المال عند الأبناك و عند غيرها من المؤسسات الاقتصادية . لكنني قد أظيف الجشع و الطمع حيث يستغلون حاجة هؤلاء "المحافظين" للربح منهم بشكل أكبر . و قد أمثل لذلك بقرية لا يتواجد بها إلا جزار واحد ، و هذا الجزار لا يبيع إلا لحم الخنزير ب 70dh للكيلوغرام ، و مع الوقت تنازل الكثير من الناس لاشتهائهم اللحم و أكلوه ، لكن بقيت فئة ترفض التعامل معه و صاموا عن اللحم ، فاضطر هذا الجزار إلى جلب لحم البقر لكي يربح مع هذه الفئة أيضا لكنه وضع له ثمنا 100dh للكيلوغرام كنوع من العقاب لهم لأنهم اضطروه لذبح البقر الذي يصعب عليه من ذبح الخنزير ، ثم ليستغل شوقهم لللحم فيربح أكثر ، ثم ليحافظ على الفئة الأولى التي استسلمت للتعامل معه دون أن يغيروا طريقة التعامل و يلزموا الربوية التي تمثل الأصل عند البنك و تمثل المعاملة الأسرع و الأسهل .


ثم إن من الناس من قال إنه يحرم التعامل مع التشاركية لأنها ليست إلا فرع للربوية ، لكن قولهم ضعيف لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم تعامل مع اليهود اقتصاديا و أجاز التعامل معهم رغم أنهم يتعاملون بالربا و يجيزون ذلك ، و قد اشترط بعض الفقهاء تنوع مال المرابي بين المال الحرام و المال الحلال حتى يجوز التعامل معه اقتصاديا ، و هذا شرط حاصل إن اعتبرت المعاملة التشاركية جائزة .


أخيرا فإنني حاولت جاهدا أن أبين معاملة الأبناك التشاركية لعل الناس تفهم الوضعية جيدا بعيدا عن الأحكام المسبقة أو السطحية ، و الله تعالى أعلى و أعلم .

X